الخميس، 28 أبريل 2011

(هوامش على دفتر النكسة)))))


هوامش على دفتر النكسة

أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمه
والكتبَ القديمه
أنعي لكم..
كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمه..
ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمه
أنعي لكم.. أنعي لكم
نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه
2
مالحةٌ في فمِنا القصائد
مالحةٌ ضفائرُ النساء
والليلُ، والأستارُ، والمقاعد
مالحةٌ أمامنا الأشياء
3
يا وطني الحزين
حوّلتَني بلحظةٍ
من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين
لشاعرٍ يكتبُ بالسكين
4
لأنَّ ما نحسّهُ أكبرُ من أوراقنا
لا بدَّ أن نخجلَ من أشعارنا
5
إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ
6
السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخمُ من أصواتنا
وسيفُنا أطولُ من قاماتنا
7
خلاصةُ القضيّهْ
توجزُ في عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ
والروحُ جاهليّهْ...
8
بالنّايِ والمزمار..
لا يحدثُ انتصار
9
كلّفَنا ارتجالُنا
خمسينَ ألفَ خيمةٍ جديدهْ
10
لا تلعنوا السماءْ
إذا تخلّت عنكمُ..
لا تلعنوا الظروفْ
فالله يؤتي النصرَ من يشاءْ
وليس حدّاداً لديكم.. يصنعُ السيوفْ
11
يوجعُني أن أسمعَ الأنباءَ في الصباحْ
يوجعُني.. أن أسمعَ النُّباحْ..
12
ما دخلَ اليهودُ من حدودِنا
وإنما..
تسرّبوا كالنملِ.. من عيوبنا
13
خمسةُ آلافِ سنهْ..
ونحنُ في السردابْ
ذقوننا طويلةٌ
نقودنا مجهولةٌ
عيوننا مرافئُ الذبابْ
يا أصدقائي:
جرّبوا أن تكسروا الأبوابْ
أن تغسلوا أفكاركم، وتغسلوا الأثوابْ
يا أصدقائي:
جرّبوا أن تقرؤوا كتابْ..
أن تكتبوا كتابْ
أن تزرعوا الحروفَ، والرُّمانَ، والأعنابْ
أن تبحروا إلى بلادِ الثلجِ والضبابْ
فالناسُ يجهلونكم.. في خارجِ السردابْ
الناسُ يحسبونكم نوعاً من الذئابْ...
14
جلودُنا ميتةُ الإحساسْ
أرواحُنا تشكو منَ الإفلاسْ
أيامنا تدورُ بين الزارِ، والشطرنجِ، والنعاسْ
هل نحنُ "خيرُ أمةٍ قد أخرجت للناسْ" ؟...
15
كانَ بوسعِ نفطنا الدافقِ بالصحاري
أن يستحيلَ خنجراً..
من لهبٍ ونارِ..
لكنهُ..
واخجلةَ الأشرافِ من قريشٍ
وخجلةَ الأحرارِ من أوسٍ ومن نزارِ
يراقُ تحتَ أرجلِ الجواري...
16
نركضُ في الشوارعِ
نحملُ تحتَ إبطنا الحبالا..
نمارسُ السَحْلَ بلا تبصُّرٍ
نحطّمُ الزجاجَ والأقفالا..
نمدحُ كالضفادعِ
نشتمُ كالضفادعِ
نجعلُ من أقزامنا أبطالا..
نجعلُ من أشرافنا أنذالا..
نرتجلُ البطولةَ ارتجالا..
نقعدُ في الجوامعِ..
تنابلاً.. كُسالى
نشطرُ الأبياتَ، أو نؤلّفُ الأمثالا..
ونشحذُ النصرَ على عدوِّنا..
من عندهِ تعالى...
17
لو أحدٌ يمنحني الأمانْ..
لو كنتُ أستطيعُ أن أقابلَ السلطانْ
قلتُ لهُ: يا سيّدي السلطانْ
كلابكَ المفترساتُ مزّقت ردائي
ومخبروكَ دائماً ورائي..
عيونهم ورائي..
أنوفهم ورائي..
أقدامهم ورائي..
كالقدرِ المحتومِ، كالقضاءِ
يستجوبونَ زوجتي
ويكتبونَ عندهم..
أسماءَ أصدقائي..
يا حضرةَ السلطانْ
لأنني اقتربتُ من أسواركَ الصمَّاءِ
لأنني..
حاولتُ أن أكشفَ عن حزني.. وعن بلائي
ضُربتُ بالحذاءِ..
أرغمني جندُكَ أن آكُلَ من حذائي
يا سيّدي..
يا سيّدي السلطانْ
لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ
لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ
ما قيمةُ الشعبِ الذي ليسَ لهُ لسانْ؟
لأنَّ نصفَ شعبنا..
محاصرٌ كالنملِ والجرذانْ..
في داخلِ الجدرانْ..
لو أحدٌ يمنحُني الأمانْ
من عسكرِ السلطانْ..
قُلتُ لهُ: لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ..
لأنكَ انفصلتَ عن قضيةِ الإنسانْ..
18
لو أننا لم ندفنِ الوحدةَ في الترابْ
لو لم نمزّقْ جسمَها الطَّريَّ بالحرابْ
لو بقيتْ في داخلِ العيونِ والأهدابْ
لما استباحتْ لحمَنا الكلابْ..
19
نريدُ جيلاً غاضباً..
نريدُ جيلاً يفلحُ الآفاقْ
وينكشُ التاريخَ من جذورهِ..
وينكشُ الفكرَ من الأعماقْ
نريدُ جيلاً قادماً..
مختلفَ الملامحْ..
لا يغفرُ الأخطاءَ.. لا يسامحْ..
لا ينحني..
لا يعرفُ النفاقْ..
نريدُ جيلاً..
رائداً..
عملاقْ..
20
يا أيُّها الأطفالْ..
من المحيطِ للخليجِ، أنتمُ سنابلُ الآمالْ
وأنتمُ الجيلُ الذي سيكسرُ الأغلالْ
ويقتلُ الأفيونَ في رؤوسنا..
ويقتلُ الخيالْ..
يا أيُها الأطفالُ أنتمْ –بعدُ- طيّبونْ
وطاهرونَ، كالندى والثلجِ، طاهرونْ
لا تقرؤوا عن جيلنا المهزومِ يا أطفالْ
فنحنُ خائبونْ..
ونحنُ، مثلَ قشرةِ البطيخِ، تافهونْ
ونحنُ منخورونَ.. منخورونَ.. كالنعالْ
لا تقرؤوا أخبارَنا
لا تقتفوا آثارنا
لا تقبلوا أفكارنا
فنحنُ جيلُ القيءِ، والزُّهريِّ، والسعالْ
ونحنُ جيلُ الدجْلِ، والرقصِ على الحبالْ
يا أيها الأطفالْ:
يا مطرَ الربيعِ.. يا سنابلَ الآمالْ
أنتمْ بذورُ الخصبِ في حياتنا العقيمهْ
وأنتمُ الجيلُ الذي سيهزمُ الهزيمهْ...

(متى ستعرف كم أهواك؟ )))))


متى ستعرف كم أهواك يا رجلا

أبيع من أجله الدنيـــا وما فيها

يا من تحديت في حبي له مدنـا

بحالهــا وسأمضي في تحديهـا

لو تطلب البحر في عينيك أسكبه

أو تطلب الشمس في كفيك أرميها

أنـا أحبك فوق الغيم أكتبهــا

وللعصافيـر والأشجـار أحكيهـا

أنـا أحبك فوق الماء أنقشهــا

وللعناقيـد والأقـداح أسقيهـــا

أنـا أحبك يـا سيفـا أسال دمي

يـا قصة لست أدري مـا أسميها

أنـا أحبك حاول أن تسـاعدني

فإن من بـدأ المأساة ينهيهـــا

وإن من فتح الأبواب يغلقهــا

وإن من أشعل النيـران يطفيهــا

يا من يدخن في صمت ويتركني

في البحر أرفع مرسـاتي وألقيهـا

ألا تراني ببحر الحب غارقـة

والموج يمضغ آمـالي ويرميهــا

إنزل قليلا عن الأهداب يا رجلا

مــا زال يقتل أحلامي ويحييهـا

كفاك تلعب دور العاشقين معي

وتنتقي كلمــات لست تعنيهــا

كم اخترعت مكاتيبـا سترسلها

وأسعدتني ورودا سوف تهديهــا

وكم ذهبت لوعد لا وجود لـه

وكم حلمت بأثـواب سأشريهــا

وكم تمنيت لو للرقص تطلبني

وحيـرتني ذراعي أين ألقيهـــا

ارجع إلي فإن الأرض واقفـة

كأنمــا فرت من ثوانيهــــا

إرجـع فبعدك لا عقد أعلقــه

ولا لمست عطوري في أوانيهــا

لمن جمالي لمن شال الحرير لمن

ضفـائري منذ أعـوام أربيهــا

إرجع كما أنت صحوا كنت أم مطرا

فمــا حياتي أنا إن لم تكن فيهـا 

(يَشِيطُ الْخُبْزُ حِينَ تَشْتَدُّ نِيرَانُ الْمَوْقِدِ)))))

فى الثَّانِيَةِ بَعْدَ مُنْتَصَفِ كُلِّ لَيْلَةٍ ، يَنْهَضُ عَبْدُ الصَّبُورِمِنْغَفْوَتِهِ السَّرِيعَةِ ، حَامِلاً جَسَدَهُ الْمُنْهَكَ ، مُوقِظًا زَوْجَتَهُ وَبِنْتَيْهِ الصَّغِيرَتَيْنِ ، لِيَبْدَؤُوا يَوْمًا جَدِيدًا مَلِيئًا بِالتَّعَبِ وَالْعَرَقِ أَمَامَ النِّيرَانِ الْمُلْتَهِبَةِ 000
عَلَى أَوْجَاعِهِمْ يَتَّكِئُونَ فِي طَرِيقِهِمُ الطَّوِيلِ بَيْنَ مَنَازِلِ الْقَرْيَةِ مِنْ شَارِعٍ إِلَى آخَرَ وَسَطَ عَتْمَةِ اللَّيْلِ ، بَيْنَمَا يَغُطُّ الآخَرُونَ فِي نَوْمِهِمْ لا يَشْعُرُونَ بِالسَّائِرِينَ وَهُمْ يَكْتُمُونَ رَغْبَتَهُمْ فِي مَزِيدٍ مِنَ الرَّاحَةِ ، يُخْفُونَ تَثَاؤُبَهُمُ الْمُتَوَاصِلَ بِأَيْدِيهِمُ الْخَشِنَةِ 000
فَوْقَ صَدِيدِ الْجِرَاحِ الْمُتَجَمِّعَةِ فِي بَقَايَا الرُّوحِ ، يَمْشُونَ ، يَجُرُّونَ أَحْزَانَهُمْ تَحْتَ الأَقْدَامِ 000 
لا تَسْتَطِيعُ الصَّغِيرَتَانِ إِخْفَاءَ خَوْفِهِمَا الْمُتَزَايِدِ مِنَ الأَشْبَاحِ الْمُخْتَبِئَةِ خَلْفَ أَشْجَارِ الْبَلُّوطِ أَمَامَ الْمَقَابِرِ الصَّامِتَةِ 000
تَنْظُرَانِ إِلَى أَبْوَابِ الْمَقَابِرِ الْمُغْلَقَةِ بِإِحْكَامٍ ، تَتَوَقَّعَانِ أَنْ تَخْرُجَ الْمَرَدَةُ وَالْعَفَارِيتُ فِي لَحْظَةٍ خَاطِفَةٍ ، لِتَبْدَأَ الْمُطَارَدَةُ الأَخِيرَةُ بَيْنَ الْمَقَابِرِ وَأَشْجَارِ السَّنْطِ السَّاكِنَةِ 000
تُفْزِعُهُمَا حَرَكَةٌ مُفَاجِئَةٌ لِفُرُوعِ شَجَرَةٍ ، وَتَحْلِيقُ بُومَةٍ كَبِيرَةٍ مُنْقَضَّةً عَلَى فَأْرٍ صَغِيرٍ 000
يَزِيدُ ـ الطَّرِيقَ الْمُتَعَرِّجَ رَهْبَةً وَفَزَعًا ـ هَذِهِ الْحُقُولُ الْمُمْتَدَّةُ عَلَى جَانِبَيْهِ بَعْدَ تَجَاوُزِ الْبُيُوتِ الصَّامِتَةِ كَالْقُبُورِ 000
يَصِلُونَ إِلَى الْمَبْنَى الطِّينِيِّ وَرَاءَ الْمَقَابِرِ بَعْدَ صِرَاعِ الصَّغِيرَتَيْنِ ، وَهُرُوبِهِمَا فِي فَزَعٍ مِنْ مَخَاوِفِهِمَا الْقَدِيمَةِ الْمُتَجَسِّدَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي الطَّرِيقِ الْمُظْلِمِ الَّذِي لا يَكَادُ يَنْتَهِي 000
000000
000000
000000
يَفْتَحُ عَبْدُ الصَّبُورِ بَابَ الْفُرْنِ ، مُحَيِّيًا صَاحِبَ الصُّورَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى الْجِدَارِ 000
يَمْسَحُ الإِطَارَ النُّحَاسِيَّ مِمَّا عَلَقَ عَلَيْهِ مِنْ دُخَانِ الأَمْسِ ، وَغُبَارِ الدَّقِيقِ الْمُتَطَايِرِ 000
ـ انْحَنِي يَا امْرَأَةُ 000 انْحَنِي يَا بِنْتُ 000
ـ يَا شَيْخُ 000 وَهَلْ يَرَانَا ؟
ـ وَلَوْ 000 الأُصُولُ أُصُولٌ 000
ـ حَاضِرٌ يَا عَبْدَ الصَّبُورِ 000 حَاضِرٌ 000 انْحَنِي يَا بِنْتُ 000
لَكِنْ قُلْ لِي : لِمَاذَا لا يَأْتِي إِلَى الْفُرْنِ أَبَدًا لِيَرَى كَيْفَ يَسِيرُ الْعَمَلُ ؟
ـ يَا بِنْتُ 000 الْكَبِيرُ كَبِيرٌ 000 هَلْ تُرِيدِينَ حَضْرَتَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَصَالِحَهُ وَأَعْمَالَهُ الْمُهِمَّةَ ، وَيَأْتِيَ إِلَيْكِ هُنَا 000 هُنَا يَا بِنْتُ ؟000 أَلا تَفْهَمِينَ ؟ 000 الْكَبِيرُ كَبِيرٌ 000
ـ طَيِّبٌ ، قُلْ لِي : إِذَا كَانَ حَضْرَتُهُ يُدِيرُ الْفُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ بِسَبَبِ مَشَاغِلَهُ ، فَأَيْنَ صَاحِبُ الْفُرْنِ ؟ إِنَّنِي لَمْ أَرَهُ فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ 000
ـ نَحْنُ لا نَعْرِفُ إِلا حَضْرَتَهُ ، وَلا نَدْرِي فِي الأَصْلِ مَنْ صَاحِبُ الْفُرْنِ 000 
يُمْكِنُ أَنْ تَقُولِي إِنَّ حَضْرَتَهُ وَرِثَهُ ، وَيُدِيرُهُ مِنْ بَعِيدٍ 000 
هَلْ فَهِمْتِ الآنَ ؟
ـ وَاللهِ لَمْ أَفْهَمْ شَيْئًا 0
ـ طَيِّبٌ ، اسْكُتِي 000 يَكْفِي هَذَا 000 دَعِينَا نَبْدَأْ عَمَلَنَا 000 تَوَكَّلْنَا عَلَى اللهِ 000
يَبْدَأْنَ فِي نَخْلِ الدَّقِيقِ فِي اهْتِزَازِ الْعَنَاقِيدِ الْمُمْتَلِئَةِ الثَّقِيلَةِ فَوْقَ تَكْعِيبِةِ الْعِنَبِ ، حَامِلاتٍ الدَّقِيقَ الْمَنْخُولَ فَوْقَ الرُّؤُوسِ ، لِيَعْجِنَهُ فِي الْغُرْفَةِ الْمُجَاوِرَةِ ، ثُمَّ يَتْرُكُهُ يَخْمُرُ بَعْضَ الْوَقْتِ 000
يَبْدَأْنَ فِي تَقْرِيصِهِ ، وَوَضْعِهِ فِي صُفُوفٍ مُنْتَظِمَةٍ فَوْقَ الطَّاوِلاتِ 000
بَعْدَ الْفَجْرِ ، يُشْعِلُ النِّيرَانَ الْخَفِِيفَةَ ، لِيَخْرُجَ الْخُبْزُ طَازَجًا كَوَجْهِ صَبِيَّةٍ لَيْلَةَ دُخْلَتِهَا ، وَقَدْ اشْتَعَلَ خَدَّاهَا خَجَلاً عِنْدَ الْقُبْلَةِ الأُولَى 000
فِي هِمَّةٍ يَعْمَلْنَ حَتَّى الظُّهْرِ ، وَيَسْبِقْنَ إِلَى الْمَنْزِلِ ، وَيَلْحَقُ بِهِنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ مُلْقِيًا نَظْرَةً أَخِيرَةً عَلَى الْمَكَانِ ، مُغْلِقًا الأَبْوَابَ ، عَائِدًا إِلَى الْبَيْتِ ، مُسْتَسْلِمًا لِغَفْوَةٍ لا تَطُولُ 000
يَسْتَيْقِظُ عَلَى صَوْتِ الْخَفِِيرِ مُرْتَضَى ، وَهُوَ يُنَادِي 000
يَطُلُّ مِنَ النَّافِذَةِ 000
ـ تَفَضَّلْ يَا رَجُلُ 
ـ لَيْسَ هُنَاكَ وَقْتٌ 000 اسْمَعْ 000 يَأْمُرُ حَضْرَتُهُ أَنْ تُقَلِّلَ حَجْمَ الرَّغِيفِ إِلَى النِّصْفِ مِنَ الْغَدِ 000 فَاهِمٌ ؟
ـ حَاضِرٌ 000 سَلِّمْ عَلَى حَضْرَتِهِ 000
فِي الصَّبَاحِ يَتَجَمَّعُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَمَامَ الْفُرْنِ سَاخِطِينَ ، فَالرَّغِيفُ أَصْبَحَ كَاللُّقْمَةِ فِي فَمِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَنْ يَكْفِيَهُ ـ بَعْدَ الآنَ ـ عَشْرَةُ أَرْغِفَةٍ فِِي الْيَوْمِ 000
يَنْسَحِبُونَ مُطَأْطِئِي الرُّؤُوسِ إِلَى بُيُوتِهِمْ ، يَحْمِلُونَ آلامَهُمْ فَوْقَ الأَكْتَافِ ، ذَاهِبِينَ إِلَى أَعْمَالِهِمْ عِنْدَ حَضْرَتِهِ فِي ذُهُولٍ 000
000000
000000
000000
عَلَى غَيْرِ عَادَتِهَا ، لا تَسْتَطِيعُ الزَّوْجَةُ الْجَمِيلَةُ أَنْ تَنْهَضَ مِنْ فِرَاشِهَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ 000
يَحُثُّهَا عَبْدُ الصَّبُورِ أَنْ تَنْفُضَ كَسَلَهَا ، وَلا تَسْتَسْلِمَ لِلأَوْجَاعِ 000
وَحْدَهُمَا تَذْهَبَانِ مَعَهُ إِلَى الْفُرْنِ 000 تَدْفَعَانِ ـ فِي غَيْرِ قُوَّةٍ ـ مَخَاوِفَ الْمُرُورِ مِنْ بَيْنِ الْمَقَابِرِ الْقَدِيمَةِ 000
000000
000000
000000
ـ كَيْفَ حَالُكِ اللَّيْلَةَ يَا رَاوِيَةُ ؟
ـ مَا زِلْتُ مُتْعَبَةً لا أَقْوَى عَلَى النُّهُوضِ ، وَلَيْسَ مَعَنَا ثَمَنُ الطَّبِيبِ الَّذِي أَصْبَحْتُ لا أَثِقُ فِيهِ مُنْذُ لامَسَ صَدْرِي ، وَضَغَطَ عَلَى الدُّمَّلِ الْغَائِرِ 000 
ـ لا بَأْسَ يَشْفِِيكِ اللهُ قَرِيبًا 000
تَأْخُذُهُ غَيْبُوبَةُ الْهُمُومِ بَعِيدًا نَحْوَ حُقُولِ الْقَمْحِ الْمُتَرَامِيَةِ حَاضِنَةً بُيُوتَ الْمَدِينَةِ الزَّاحِفَةَ ، مُسْتَعِيدًا مَشْهَدَ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ وَهُوَ يُدِيرُ السَّاقِيَةَ مُتَدَفِّقَةً بِالْمَاءِ الْمُتَنَاثِرِ حَوْلَ جُمَّيْزَةِ الْعَائِلَةِ حِينَ كَانَ يَصْعَدُ فُرُوعَهَا الْمُتَشَابِكَةَ ، هَارِبًا ، 
كُلَّمَا أَصَرَّ أَبُوهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى كُتَّابِ الشَّيْخِ فَرَحَاتٍ الَّذِي لا يَرْحَمُ ضَعْفَ سَنَوَاتِهِ الْخَمْسِ ، مُعَلِّقًا قَدَمَيْهِ فِي الْفَلَكَةِ ، ضَارِبًا بِالْجِلْدَةِ دُونَ شَفَقَةٍ ، حِينَ تَتَفَلَّتُ بَعْضُ الآيَاتِ مِنْ ذَاكِرَتِهِ الْبَرِيئَةِ 000
000000
000000
000000
ـ يَا عَبْدَ الصَّبُورِ 000 يَا عَبْدَ الصَّبُورِ 000
ـ تَفَضَّلْ يَا رَجُلُ 
ـ لَيْسَ هُنَاكَ وَقْتٌ 000 اسْمَعْ 000 يَأْمُرُ حَضْرَتُهُ أَنْ تَخْلِطَ الدَّقِيقَ الأَبْيَضَ بِالأَسْوَدِ ، وَتَبِيعَ الرَّغِيفَ بِعَشْرَةِ قُرُوشٍ ، وَتُغْلِقَ الأَبْوَابَ بَعْدَ الْعَصْرِ 000 فَاهِمٌ ؟
ـ حَاضِرٌ 000 سَلِّمْ عَلَى حَضْرَتِهِ 000 
فِي الصَّبَاحِ ، يَحْمِلُ أَهْلُ الْحَارَةِ نِصْفَ مَا تَعَوَّدُوا عَلَيْهِ مِنْ أَرْغِفَةٍ ، كَاظِمِينَ غَيْظَهُمْ عَائِدِينَ إِلَى أَعْمَالِهِمْ صَامِتِينَ فِي وُجُومٍ 000
000000
000000
000000
ـ كَيْفَ حَالُكِ اللَّيْلَةَ يَا رَاوِيَةُ ؟
ـ اتْرُكْنِي اللَّيْلَةَ يَا رَجُلُ لا أَسْتَطِيعُ مُجَرَّدَ الْكَلامِ 000
تَتَدَاعَى الذِّكْرَيَاتُ فِي رَأْسِهِ الصَّغِيرِ حِينَ كَانَ يَتَرَبَّصُ بِالصَّبَايَا خَلْفَ أَشْجَارِ النَّبْقِ ، وَهُنَّ يَحْمِلْنَ الْجِرَارَ الْفَخَّارِيَّةَ مُشِمِّرَاتٍ عَنْ سِيقَانِهِنَّ الْبَيْضَاءِ النَّاعِمَةِ ، نَازِلاتٍ إِلَى مِيَاهِ التُّرْعَةِ فَوْقَ الصُّخُورِ الْمَرْصُوصَةِ ، يَمْلأَنَ قَلْبَهُ بِالأَشْوَاقِ ، يُشْعِلْنَ اللَّهِيبَ فِي الأَعْشَابِ الْجَافَّةِ تَحْتَ أَشْجَارِ الْمَوْزِ الْخَضْرَاءِ 000
000000
000000
000000
ـ يَا عَبْدَ الصَّبُورِ 000 يَا عَبْدَ الصَّبُورِ 000
ـ تَفَضَّلْ يَا رَجُلُ 
ـ لَيْسَ هُنَاكَ وَقْتٌ 000 اسْمَعْ 000 يَأْمُرُ حَضْرَتُهُ أَنْ تَبِيعَ الرَّغِيفَ بِرُبْعِ جُنَيْهٍ ، وَتُقَلِّلَ حَجْمَهُ إِلَى النِّصْفِ 000
ـ حَاضِرٌ 000 سَلِّمْ عَلَى حَضْرَتِهِ 000
تَتَعَالَى الْهَمْهَمَاتُ أَمَامَ الْفُرْنِ 000 لا يُصَدِّقُ أَهْلُ الْحَارَةِ الطَّيِّبُونَ مَا يَحْدُثُ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ لِكُلِّ صَغِيرٍ رَغِيفًا ، عَائِدِينَ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فِي جُنُونٍ 000
ـ لا بَأْسَ ، نَصْبِرُ عَلَى الْجُوعِ ، لِيَأْكُلَ الصِّغَارُ 000 قَدْ تَكْفِيهِمْ أَرْغِفَةُ الْخُبْزِ 000
مَا بَيْنَ مِطْرَقَةِ الْجُوعِ وَسَنْدَانِ الْخَوْفِ مِنْ حَضْرَتِهِ ـ يَتَنَقَّلُونَ مِنْ بُيُوتِِهِمُ الْفَقِيرَةِ إِلَى أَعْمَالِهِمْ ، شَارِدِينَ ، يَمُرُّونَ فَوْقَ أَحْلامِهِمُ الصَّغِيرَةِ 000
000000
000000
000000 
ـ كَيْفَ حَالُكِ اللَّيْلَةَ يَا رَاوِيَةُ ؟
ـ اسْمَعْ يَا عَبْدَ الصَّبُورِ 000 التَّيَّارُ جَارِفٌ لَنْ نَسْتَطِيعَ السِّبَاحَةَ عَكْسَهُ 000عَلَيْكَ أَنْ تَهْدَأَ حَتَّى نَخْرُجَ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ ، وَإِلا هَلَكْنَا ، وَهَلَكَتِ الْبِنْتَانِِ مَعَنَا 0
ـ مَاذَا يَا امْرَأَةُ ؟
ـ أَنَا حَامِلٌ يَا عَبْدَ الصَّبُورِ 000
ـ مِمَّنْ يَا امْرَأَةُ ، وَلَمْ أَقْرَبْكِ مِنْ سَنَوَاتٍ ؟
ـ اهْدَأْ يَا عَبْدَ الصَّبُورِ سَأَقُولُ لَكَ 000
ـ تَكَلَّمِي يَا امْرَأَةُ 000
يَجْرِي مَذْعُورًا خَلْفَهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ ، غَاضِبِينَ يَعْبُرُونَ الْمَقَابِرَ ، حَامِلِينَ فُؤُوسَهُمْ وَعِصِيَّهُمُ الْغَلِيظَةَ ، يَهْتِفُونَ ، صَائِحِينَ فِي فَوْرَةِ بَحْرٍ تَثُورُ أَمْوَاجُهُ عَلَى الشُّطْآنِ مُتَلاطِمَةً فِي ثَوْرَةٍ لا تَهْدَأُ 000
يَفْتَحُ عَبْدُ الصَّبُورِ الْبَابَ 000
يُشْعِلُ الْفُرْنَ 000
تَشْتَدُّ نِيرَانُ الْمَوْقِدِ 000
تَشِيطُ أَرْغِفَةُ الْخُبْزِ 000
يُلْقِي فِي النِّيرَانِ صُورَةَ حَضْرَتِهِ 000
يَقْتَحِمُونَ الأَبْوَابَ الْمُغْلَقَةَ 000
يُفْرِغُونَ فِي الطُّرُقَاتِ أَكْيَاسَ الْمِلْحِ 000
يُشْعِلُونَ أَعْوَادَ الْحَطَبِ 000
يَرْتَفِعُ الشُّوَاظُ 000
تَحْتَرِقُ الْجُدْرَانُ 000
تَهْرَبُ الْمَرَدَةُ وَالْعَفَارِيتُ 000 تَتَخَفَّى خَلْفَ أَشْجَارِ الْبَلُّوطِ 000 
يَبْكِي الشَّيْخُ فَرَحَاتٌ 000
تَنْكَسِرُ جِرَارُ الصَّبَايَا الْمُشْتَعِلاتِ 000
تَتَهَاوَى أَشْجَارُ السَّنْطِ 000
يَخْرُجُ الْمَوْتَى مِنْ بَيْنِ الْقُبُورِ الْحَزِينَةِ 000
يَنْظُرُونَ لِلسَّمَاءِ فِي ذُهُولٍ 0

(الْحِمَارُ الأَعْمَى يَقُودُ الْعَرَبَةَ نَحْوَ الْهَاوِيَةِ)))))


لَمْ يَسْتَطِعِ الْعَمُّ صَابِرٌ أَنْ يُغْمِضَ جَفْنَيْهِ مُنْذُ أُسْبُوعَيْنِ حِينَ سَقَطَ الْحِمَارُ الثَّانِي فِي الْحُفْرَةِ الْعَمِيقَةِ فِي أَقْصَى يَمِينِ الْمَدِينَةِ ، مُتَجَاهِلاً كُلَّ الإِشَارَاتِ الْحَمْرَاءِ ، وَتَحْذِيرَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الطَّيِّبِينَ الْبُسَطَاءِ وَسَائِقِي السَّيَّارَاتِ ، مُتَمَادِيًا فِي الْقَفْزِ نَحْوَ الْمَجْهُولِ ، لِيَلْحَقَ بِالْحِمَارِ الأَوَّلِ الَّذِي سَقَطَ فِي حُفْرَةٍ فِي أَقْصَى يَسَارِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ سَنَوَاتٍ 0
كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَعْبُرَ بِالْحِمَارِ وَالْعَرَبَةِ الْمُهَلْهَلَةِ الْقَدِيمَةِ كُلَّ الْحَوَاجِزِ ، كَمَا يَصْنَعُ الْفُرْسَانُ بِالأَحْصِنَةِ فِي سِبَاقَاتِ الْخُيُولِ 0
فِي الْمَرَّتَيْنِ أَخْرَجَ بَعْضُ الطَّيِّبِينَ الْعَمَّ صَابِراً مِنَ الْحُفْرَةِ ، لِيَظَلَّ أَمَامَ بَيْتِهِ الصَّغِيرِ عَاكِفًا عَلَى عَرَبَتِهِ الْخَشَبِيَّةِ يُصْلِحُ مَا تَكَسَّرَ مِنْهَا ، مُعْتَمِدًا عَلَى أَوْلادِ الْحَارَةِ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ لا يَبْخَلُونَ فِي مُسَاعَدَتِهِ ، حَتَّى يَنْهَضَ مِنْ جَدِيدٍ ، وَتَعُودَ الْعَرَبَةُ جَاهِزَةً لِلْعُبُورِ فَوْقَ الْمَسَافَاتِ مِنْ طَرِيقٍ إِلَى طَرِيقٍ فِي رِحْلَةٍ لا تَنْتَهِي 0
000000
000000
000000
كَثِيرًا مَا يَتَسَلَّلُ ـ لَيْلاً ـ بَعْضُ لُصُوصِ الشَّوَارِعِ الْبَعِيدَةِ ، يَسْرِقُونَ مَا يَنْقُلُهُ الْعَمُّ صَابِرٌ مِنْ بَضَائِعَ مُقَابِلَ لُقْمَةِ عَيْشٍ ، وَكَثِيرًا مَا تَحَمَّلَ الْمِسْكِينُ ـ عَلَى فَقْرِهِ الشَّدِيدِ ـ تَسْدِيدَ ثَمَنِ مَا يُسْرَقُ مِنْ فَوْقِ الْعَرَبَةِ حِينَ يَنَامُ 0
عَاشَ عُمْرَهُ الطَّوِيلَ فَقِيرًا لا يَمْلِكُ قُوتَ الْيَوْمِ ، وَهُوَ الَّذِي يَنْقُلُ ـ مِنْ أَقْصَى الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ ـ تِجَارَةَ أَثْرِيَاءِ الْمَدِينَةِ ، دُونَ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ ، فَالرَّجُلُ هُوَ الصَّادِقُ الأَمِينُ الَّذِي لا يَعْرِفُ كَيْفَ يَكُونُ الْغَدْرُ 000 وَمِنْ أَيْنَ يَأْتِي الْخِنْجَرُ 000 مُتَحَمِّلاً حِرْمَانَهُ ، وَشَكْوَى الأَوْلادِ ، قَانِعًا بِمَا قَسَمَهُ اللهُ مِنْ رِزْقٍ ، شَاكِرًا عَلَى مَا يَتَبَقَّى مِنْ هَؤُلاءِ التُّجَّارِ الطَّامِعِينَ مِمَّا لا يَكَادُ يَكْفِي لِشِرَاءِ الْخُبْزِ لِلصِّغَارِ 0
000000
000000
000000
كَانَتِ الْحَيَاةُ تَسِيرُ حِينَ كَانَتْ تَجُرُّ الْخُيُولُ عَرَبَتَهُ الْقَدِيمَةَ ، لَكِنَّهُ شَارِدٌ مُنْذُ مَاتَ الْحِصَانُ الأَخِيرُ ، وَاضْطُرَّ إِلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِمَارَ ، فالْعَرَبَةُ تَكَادُ لا تَخْطُو إِلا مِنْ حُفْرَةٍ إِلَى أُخْرَى ، وَتَوَقَّفَتْ عَنْ سَيْرِهَا الْحَيَاةُ 000
ـ يَا عَمُّ صَابِرُ 00 الْحِمَارُ الْجَدِيدُ لَنْ يَسْتَطِيعَ جَرَّهَا ، وَرُبَّمَا سَقَطَ بِكَ فِي حُفْرَةٍ ، فَلا تَنْجُو هَذِهِ الْمَرَّةَ 000
ـ وَمَاذَا عَسَايَ أَنْ أَصْنَعَ ؟
ـ تَبِيعُ الْعَرَبَةَ الْقَدِيمَةَ بِحِمَارِهَا ، وَتَشْتَرِي سَيَّارَةً جَدِيدَةً 000
ـ لَكِنْ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرْكَبَهَا 0
ـ يَقُودُهَا أَوْلادُكَ 0
ـ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَظَلَّ دُونَ عَمَلٍ 0
ـ يَا عَمُّ صَابِرُ 000 اسْمَعْ كَلامَنَا 00
ـ كَفَى كَفَى 000 هَذِهِ الْمَرَّةَ سَيَنْجَحُ حِمَارِي فِي جَرِّ الْعَرَبَةِ 000 إِنَّهُ حِمَارٌ مُدَرَّبٌ ، وَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يَسْبِقَ الْخُيُولَ 000
ـ الْعَرَبَةُ مِلْكُكَ ، وَأَنْتَ حُرٌّ 000 لَكِنْ لا تَلُومَنَّ إِلا نَفْسَكَ 000
ـ اللهُ مَعَنَا 
000000
000000
000000
فِي الصَّبَاحِ يُفِيقُ أَهْلُ الْحَارَةِ عَلَى بُكَاءِ الْعَمِّ صَابِرٍ ، وَصُرَاخِ أَوْلادِهِ فِي حُرْقَةِ أُمٍّ عَجُوزٍ مَاتَ صَغِيرُهَا الْوَحِيدُ 000
ـ مَا بِكَ يَا عَمُّ صَابِرُ ؟
ـ ضِعْتُ وَضَاعَ الأَوْلادُ
ـ مَاذَا حَدَثَ ؟
ـ سُرِقَتْ كُلُّ الْبِضَاعَةِ ، وَأَصْبَحَتِ الْعَرَبَةُ فَارِغَةً 000
ـ وَمَنْ يَجْرُؤُ يَا عَمُّ صَابِرُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ إِلَى هُنَا وَيَسْرِقَهَا ؟
ـ اللُّصُوصُ ـ مِنْ بَيْنِنا ـ كَثِيرُونَ يَا وَلَدِي ، والْعَرَبَةُ مَطْمَعُهُمْ جَمِيعًا 000 يَا خَرَابَ بَيْتِ عَمِّكَ صَابِرٍ 000
ـ اهْدَأْ يَا رَجُلُ 000 لا بُدَّ مِنْ حَلٍّ 000 لَنْ نَسْكُتَ هَذِهِ الْمَرَّةَ 000
فِي الْمَسَاءِ يَدْخُلُ الرِّجَالُ بُيُوتَهُمْ ، وَيُغْلِقُونَ الأَبْوَابَ جَيِّدًا ، لِيَظَلَّ الْعَمُّ صَابِرٌ وَحْدَهُ يَبْكِي مَعَ الصِّغَارِ تَلُفُّهُمْ أَحْزَانٌ جَدِيدَةٌ 000
يَغْشَى الْوُجُومُ بُيُوتَ الْحَارَةِ ، حِينَ يَضْرِبُ اللَّيْلُ بِسَوَادِهِ فَوْقَ سُطُوحِهَا 000
النَّاسُ جَمِيعُهُمْ ـ فِي صَمْتٍ ـ مَدْهُوشُونَ ، لا يَتَكَلَّمُونَ 000 
يَطُلُّونَ مِنَ النَّوَافِذِ الْحَدِيدِيَّةِ الضَّيِّقَةِ ، نَاظِرِينَ إِلَى الحِدَأَةِ ، الَّتِي تَخْطَفُ ـ كُلَّ مَسَاءٍ مِنْ بُيُوتِهِمُ الْفَقِيرَةِ ـ كَتَاكِيتَ الدَّجَاجِ الْحَزِينِ 000
يُنْصِتُونَ إِلَى صِيَاحِ الدَّجَاجَةِ الْمِسْكِينَةِ ، وَقَدْ خُطِفَتْ أَفْرَاخُهَا ، بَيْنَمَا تَظَلُّ الْحِدَأَةُ ، تَحْمِلُهَا بَيْنَ فَكَّيْهَا ، وَقَدْ سَالَتِ الدِّمَاءُ بَيْنَ أَنْيَابِهَا ، صَاعِدَةً أَشْجَارَ السَّنْطِ 000
تَعَوَّدَ أَهْلُ الْحَارَةِ عَلَى مَشْهَدِ الْحِدَأَةِ وَالْكَتَاكِيتِ بَعْدَ كُلِّ عِشَاءٍ ، دُونَ أَنْ يَفْهَمَ أَحَدٌ لِمَاذَا لا يُحَاوِلُونَ مَنْعَهَا 000
يَظُنُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَارَةِ أَنَّ حَظِيرَةَ دَجَاجِهِ بَعِيدَةٌ عَنْ أَعْيُنِ الْحِدْآنِ ، وَلَيْسَ مُمْكِنًا أَنْ تَقْرَبَهَا يَوْمًا 000
000000
000000
000000
فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي ، يَنْهَضُ الْعَمُّ صَابِرٌ ، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَمْنَحَ الْفُرْصَةَ لِلْحِمَارِ الْجَدِيدِ ، لَعَلَّهُ يَنْجَحُ ، وَيَجُرُّ الْعَرَبَةَ هَذِهِ الْمَرَّةَ 000
الشَّمْسُ ـ فِي هَذَا الصَّبَاحِ الشِّتَائِيِّ ـ تَتَخَفَّى خَلْفَ الْغُيُومِ السَّوْدَاءِ ، تَطُلُّ لِلَحَظَاتٍ عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْ سَاعَةٍ لأُخْرَى 000
الأَمْطَارُ تَتَزَايَدُ غَاسِلَةً بُيُوتَ الْمَدِينَةِ ، مَاسِحَةً أَوْجَاعَهَا 000
ـ تَوَكَّلْنَا عَلَى اللهِ 0
يَنْفُخُ الْعَمُّ صَابِرٌ بَيْنَ كَفَّيْهِ ، نَافِضًا بُرُودَةَ الصَّبَاحِ الْقَاسِيَةَ ، سَارِحًا فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ صَرْصَرٍ ، وَهُوَ يَخْطُبُ فِي الْجُمْعَةِ السَّابِقَةِ :
يَدَاكَ أَوْكَتَا وَفُوكَ نَفَخَ
مُتَأَمِّلاً تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْغَامِضَةَ دُونَ أَنْ يَفْهَمَ مَا كَانَ يَقْصِدُهُ الشَّيْخُ الْفَصِيحُ 000
يَرْبِطُ الْحِمَارَ فِي الْعَرَبَةِ ، مُبْتَسِمًا ، مُقَدِّمًا ـ فِي اسْتِعْطَافٍ ـ حِمْلَ الْبِرْسِيمِ ، مُشَجِّعًا لَهُ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ كَيْفَمَا شَاءَ حَتَّى يَشْبَعَ 000
يَقْفِزُ فَوْقَ الْعَرَبَةِِ ، مُمْسِكًا حِبَالَهَا بِيُسْرَاهُ ، وَالْكُرْبَاجَ بِيُمْنَاهُ ، ضَارِبًا فِي الْهَوَاءِ ضَرْبَتَيْنِ ، مُدَاعِبًا حِمَارَهُ ، ضَاحِكًا :
ـ سِرْ يَا وَلَدُ 000 سَابِقِ الرِّيحَ 000
تَنْطَلِقُ الْعَرَبَةُ ، يَجُرُّهَا الْحِمَارُ مُسْرِعَةً ، وَكُلَّمَا تَوَقَّفَ اللَّئِيمُ ـ يَضَعُ أَكْوَامَ الْبِرْسِيمِ الشَّهِيِّ ، وَالأَعْلافِ اللَّذِيذَةِ ، حَتَّى يَشْبَعَ وَيَسْتَرِيحَ ، لِتَنْطَلِقَ الْعَرَبَةُ ثَانِيَةً فِي خِفَّةٍ 000
فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ تَوَقَّفَ اللَّئِيمُ ، لَكِنَّ الْعَمَّ صَابِرًا لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ ، وَضَرَبَ الْكُرْبَاجَ الْمَفْتُولَ فِي الْهَوَاءِ مَرَّتَيْنِ ، وَشَدَّ الْحِبَالَ عَنِيفًا 000
ـ هَيَّا يَا مَفْجُوعُ ، لَقَدْ أَكَلْتَ الْبِرْسِيمَ كُلَّهُ ، وَلَمْ يَتَبَقَ مِنَ التِّبْنِ وَالْعَلَفِ شَيْءٌ 000 
هَيَّا يَا طَمَّاعُ ، فَالطَّرِيقُ مَا زَالَ طَوِيلاً ، وَقَدْ نَفَدَ صَبْرِي 000
000000
000000
000000
كَالأَعْمَى ، يَنْدَفِعُ فِي شَرَهٍ إِلَى طَرِيقِ الْقَرْيَةِ التُّرَابِيِّ ، مُتَّجِهًا نَحْوَ حُقُولِ الْبِرْسِيمِ ، لا يُخِيفُهُ الْكُرْبَاجُ الَّذِي يُفَرْقِعُهُ الْعَمُّ صَابِرٌ مُهَوِّشًا فِي الْهَوَاءِ 000
يَشُدُّ الْحِبَالَ فِي اسْتِمَاتَةٍ 000
ـ تَوَقَّفْ أَيُّهَا الأَعْمَى 000 سَتَسْقُطُ بِنَا فِي الْهَاوِيَةِ 000
يَسْتَغِيثُ بِالْمُطِلِّينَ مِنَ النَّوَافِذِ ، يَنْظُرُونَ ـ فِي بَلادَةٍ ـ إِلَى الْحِدْآنِ ، خَاطِفَةً كَتَاكِيتَ الدَّجَاجِ ، غَيْرَ عَابِئِينَ 000
ـ تَوَقَّفْ أَيُّهَا الأَعْمَى 000 تَوَقَّفْ 000 أَمَامَنَا الحُفْرَةُ 000
يَسْقُطُ تَحْتَ الْعَجَلاتِ 000
يَصِيحُ الدَّجَاجُ 000
تَسِيلُ دِمَاءُ الْعَمِّ صَابِرٍ 000
تَصْعَدُ الْحِدَأَةُ أَعْلَى أَشْجَارِ السَّنْطِ الْبَعِيدَةِ 000
فِي إِصْرَارٍ ، يَتَجِهُ الْحِمَارُ نَحْوَ حُقُولِ الْبِرْسِيمِ الْخَضْرَاءِ 000
تَهْوِي عَجَلاتُ الْعَرَبَةِ 000
تَتَدَحْرَجُ فِي الحُفْرَةِ 000
تَسْقُطُ فِي الْهَاوِيَةِ 0

( عِنْدَمَا تَرْقُصُ الرِّيَاحُ لاهِيَةً)))))

عِنْدَمَا تَرْقُصُ الرِّيَاحُ لاهِيَةً 

فِي الثَّامِنَةِ صَبَاحًا ، يُسْرِعُ عَلِيٌّ حَامِلاً رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، دَافِعًا قَلْبَهُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ ، مُتَّجِهًا نَحْوَ مَوْقِفِ السَّيَّارَاتِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى طَنْطَا ، مُتَذَكِّرًا رَئِيسَ مَكْتَبِهِ السَّمِينَ ، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى الصُّورَةِ فِي أَعْلَى الْجِدَارِ ، مُهَدِّدًا بِالْفَصْلِ ، وَإِلْقَائِهِمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ يَدْعُونَ هُنَالِكَ ثُبُورًا ، مُنْذِرًا فِي حِدَّةٍ نَاظِرًا إِلَيْهِمْ فِي اشْمِئْزَازٍ سَاخِطًا فِي غَضَبٍ :
ـ لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا !
000000
000000
000000
الْقَرْيَةُ الْكَبِيرَةُ تَبْدُو كَامْرَأَةٍ فِي السَّبْعِينَ ، ابْيَضَّ شَعْرُهَا ، وَتَرَهَّلَ جِلْدُ وَجْهِهَا الْمُنْكَمِشُ عَلَى الْعِظَامِ الْهَشَّةِ الْبَارِزَةِ ، تَمْلأُ ـ مَا بَيْنَهَا مِنْ نُتُوءَاتٍ ـ أَحْزَانُ السِّنِينَ الطَّوِيلَةِ ، وَانْتِظَارِ لْحْظَةِ النِّهَايَةِ 000
الشَّوَارِعُ تَضِيقُ عَلَى بُيُوتِهَا الطِّينِيَّةِ الْمَزْحُومَةِ بِالصِّغَارِ الْجَائِعِينَ فِي غَيْرِ صَمْتٍ ، وَالأَرْصِفَةُ تَمْشِي عَلَى رُؤُوسِ الْعَابِرِينَ الشَّارِدِينَ الْمُتَرَقِّبِينَ صَهِيلَ الْخُيُولِ الَّتِي لا تَجِيءُ مِنْ زَمَانٍ بَعِيدٍ 000
تَزْدَحِمُ الْمَحَطَّةُ الْكَئِيبَةُ بِالْوُجُوهِ الشَّاحِبَةِ الْبَاحِثَةِ عَنْ بَقَايَا ظِلٍّ تَخْتَبِئُ تَحْتَهُ مِنْ لَهِيبِ الشَّمْسِ الْحَارِقَةِ 000 
تَمْتَزِجُ رَائِحَةُ الْعَرَقِ بِالأَوْجَاعِ الْمَخْنُوقَةِ ، وَدُخَانِ السَّيَّارَاتِ الْقَدِيمَةِ ، وَأَبْخِرَةِ الْفُرْنِ الْمُجَاوِرِ ، وَهَمْهَمَاتِ الْمُنْتَظِرِينَ ، وَصَيْحَاتِ بَائِعِي اللُّبِّ ، وَطَقْطَقَةِ أَكْوَابِ عَصِيرِ الْقَصَبِ الْمُثَلَّجِ ، وَرَنِينِ صُنُوجِ بَائِعِ الْعُرْقُسُوسِ الْمُنْعِشِ 000
يَتَلَفَّتُونَ نَحْوَ النَّخْلَةِ الصَّامِتَةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ، يَتَطَلَّعُونَ فِي دَهْشَةٍ إِلَى جَرِيدِهَا الْمُتَشَابِكِ تَرْقُصُ فَوْقَهُ الرِّيَاحُ لاهِيَةً 000
000000
000000
000000
تَتَعَالَى فَوْقَ الضَّوْضَاءِ الْمُتَدَاخِلَةِ صَرْخَةُ شَابٍّ فِي الْعِشْرِينَ ، تَرْتَفِعُ مَخْنُوقَةً مَبْحُوحَةً فَوْقَ الأَحْزَانِ 000 
يَسْقُطُ مُرْتَطِمًا بِالأَرْضِ ، يَفْقِدُ وَعْيَهُ ، يَتَمَدَّدُ فَوْقَ بَطْنِهِ الْمُرْتَعِشِ ، مُهْتَزًّا كَثَوْرٍ مَذْبُوحٍ تَسِيلُ دِمَاؤُهُ فَوْقَ السِّكِّينِ الْبَارِدِ ، مُخْرِجًا أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ ، نَابِضَةً أَوْصَالُهُ ، مُمْسِكَةً بِبَقَايَا الرُّوحِ الْهَارِبَةِ 000
مُخْتَنِقًا يَسْوَدُّ الْوَجْهُ كَقِطْعَةِ فَحْمٍ ، تَتَصَلَّبُ عَيْنَاهُ الزَّائِغَتَانِ كَحَجَرَيْنِ اصْطَدَمَا فَاشْتَعَلا 000
تَتَشَنَّجُ ـ فِي وَجَعٍ ـ عَضَلاتُ الْجَسَدِ هَائِجَةً لا تَتَوَقَّفُ 000 
يُهَرْوِلُ عَلِيٌّ وَحْدَهُ ، يَدْفَعُهُ فِي إِصْرَارٍ نَحْوَ جَنْبِهِ الأَيْمَنِ 000
ضَاغِطًا عَلَى رِئَتَيْهِ ، يَفْتَحُ فَمَهُ الْمُغْلَقَ ، دَافِعًا بِالْهَوَاءِ ، مُتَشَبِّثًا بِاللَّحْظَةِ الْبَاقِيَةِ 000
صَارِخًا فِي الْوُجُوهِ الْمَدْهُوشَةِ أَنْ يُسْرِعَ أَحَدُهُمْ يُمْسِكُ يَدَهُ 000
تَمُرُّ الدَّقَائِقُ بَطِيئَةً فَوْقَ عَقَارِبِ السَّاعَةِ الْمُعَلَّقَةِ فَوْقَ الْجِدَارِ الْمَشْرُوخِ 000
يُفِيقُ مَذْهُولاً كَمَيِّتٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْقُبُورِ حَامِلاً جَسَدَهُ ، بَاحِثًا عَنْ بَيْتِهِ الْقَدِيمِ 000
يَرْغُو فَمُهُ كَجَمَلٍ يَلْهَثُ فَوْقَ الرِّمَالِ السَّاخِنَةِ لا يَهْتَدِي فِي وَسَطِ الصَّحْرَاءِ إِلَى طَرِيقِ الْوَاحَةِ ، يِخِبُّ وَرَاءَ السَّرَابِ 000
يَفْزَعُ فِي شُرُودٍ مُمْسِكًا قَبْضَةَ الْحَقِيبَةِ ، يَكْسِرُهَا حَانِقًا 000 
سَائِرًا نَحْوَ الْبَيْتِ يَسُبُّ أَشْبَاحَ الطَّرِيقِ ، لاعِنًا صَمْتَ الأَرْصِفَةِ 000
يَفِرُّ مُنْكَسِرًا ، يَخْتَفِي وَرَاءَ السَّيَّارَاتِ 000
000000
000000
000000
مُتَّكِئًا عَلَى أَوْجَاعِهِ يَنْهَضُ عَلِيٌّ مُتَأَمِّلاً هَذَا الآخَرَ الَّذِي تَسَمَّرَتْ نَظَرَاتُهُ فِي شُحُوبٍ ، لا يَرِفُّ لَهُ جَفْنٌ ، تَمِيلُ رَأْسُهُ عَلَى كَتِفِهِ فِي غَيْبُوبَةٍ قَصِيرَةٍ 000 يَنْقَطِعُ تَيَّارُ الْوَعْيِ 000
ـ أَنْتَ ، هِيهِ ! مَا بِكَ ؟ يَا اللهُ !
يَهُزُّ جَنْبَيْهِ فِي رِفْقٍ مُحَاوِلاً أَنْ يَعُودَ بِهِ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ دُونَ جَدْوَى 000
يَتَثَاءَبُ الْوَاقِفُونَ فِي خُمُولٍ يَنْتَظِرُونَ 000
يَجْمَعُونَ 000
يَطْرَحُونَ 000
يَقْسِمُونَ 000
يَضْرِبُونَ 000
يَعُدُّونَ الْعَابِرِينَ 000
يَتَلَفَّتُونَ يَمْنَةً ويَسْرَةً 000
يَضْحَكُونَ 000
يُقَهْقِهُونَ فِي انْكِسَارٍ 000
يُتَمْتِمُونَ فِي حُرُوفٍ مَمْطُوطَةٍ تَأْتِي مِنْ ذَاكِرَةٍ مَطْمُوسَةٍ 000
يُعِيدُونَ دُرُوسَ الْكِيمِيَاءِ حِينَ تَخْتَلِطُ بِأَبْيَاتِ قَصِيدَةٍ فَرَّ صَاحِبُهَا مِنْ سِجْنِ السُّلْطَانِ ذَاتَ مَسَاءٍ فِي لَيْلَةِ عِيدٍ 000
كَمُومِيَاوَاتٍ يَفْقِدُونَ مَلامِحَهُمْ 000
يَجْرُونَ وَرَاءَ الأَشْبَاحِ 000
يَجُرُّونَ ـ خَلْفَهُمْ فِي غَرَابَةٍ ـ مَخَاوِفَ الْكَهْفِ الأَسْوَدِ السَّحِيقِ 000
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ 000
يَشَمُّونَ ـ جَائِعِينَ ـ رَائِحَةَ الْخُبْزِ الْمَحْرُوقِ فَوْقَ النِّيرَانِ 000
يَسْمَعُونَ ـ فِي فَزَعٍ ـ أَصْوَاتَ مَلائِكَةٍ لا تَتَنَزَّلُ بِالْبُشْرَى 000
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ 000
كَكَابُوسٍ لا يَنْتَهِي يَبْدُو الْمَشْهَدُ فَوْقَ رَصِيفِ الْمَحَطَّةِ 000
000000
000000
000000
تَتَقَدَّمُ لَيْلَى فَاتِنَةً تَرْقُصُ عَارِيَةً مُتْعَبَةً 000
فِي قَلَقٍ تَجْرِي حَافِيَةً وَرَاءَ صَوْتِ صَغِيرِهَا الْبَعِيدِ 000
تَسْقُطُ فَوْقَ الرَّصِيفِ 000
يَتَرَاجَعُ عَلِيٌّ نَحْوَ الْبَيْتِ كَقِزْمٍ يَقْرِضُ أَصَابِعَهُ النَّحِيفَةَ ، مُمْسِكًا أَضْلاعَهُ فَوْقَ الْجُرُوحِ 000
مُرْتَجِفًا تَطْحَنُهُ صَرَخَاتُ الْمَوْجُوعِينَ 000
تَتَدَاخَلُ أَصْوَاتُ الْبَاعَةِ الْجَوَّالِينَ ، وَطَقْطَقَةُ الأَكْوَابِ الْفَارِغَةِ ، وَرَنَّاتُ الصُّنُوجِ النُّحَاسِيَّةِ الْخَائِفَةِ 000
هَارِبًا يَفِرُّ فَوْقَ جُثَثِ الْمَفْزُوعِينَ 000
مَخْنُوقًا تُطَارِدُهُ تِلْكَ النَّخْلَةُ الصَّامِتَةُ 000
تَرْقُصُ ـ فَوْقَ سَعَفِهَا ـ الرِّيَاحُ لاهِيَةً فِي جُنُونٍ 0

(حِينَ خَضَعَ مُحَمَّدٌ وَزَارَ مُوسَى فِي بَيْتِهِ)))))

حِينَ خَضَعَ مُحَمَّدٌ وَزَارَ مُوسَى فِي بَيْتِهِ


جَلَسَ مُحَمَّدٌ فِي دَوَّارِهِ الْكَبِيرِ ، مُمَدِّدًا رِجْلَيْهِ الْمُتْعَبَتَيْنِ ، مُتَّكِئًا عَلَى سَاعِدِهِ الأَيْمَنِ ، سَانِدًا رَأْسَهُ الثَّقِيلَ فَوْقَ كَفِّهِ فِي انْتِظَارِ أَنْ يَأْتِيَ الشَّيْخُ مِفْتَاحٌ ، وَبَقِيَّةُ الإِخْوَانِ حَتَّى يَضَعُوا حَدًّا لِمَا يَقُومُ بِهِ مُوسَى فِي الْقَرْيَةِ الْمُجَاوِرَةِ مِنِ اعْتِدَاءَاتٍ وَحْشِيَّةٍ عَلَى الْفَلاحِينَ الْمَسَاكِينِ فِي الْحُقُولِ وَهُمْ يَحْصُدُونَ غِلالَهُمْ ، مُحَاوِلاً سَلْبَ مَا تَبَقَّى لَهُمْ مِنْ فَدَادِينِ الْقَمْحِ الْمُتَاخِمَةِ لِقَرْيَتِهِ ، مُسْتَغِلاً صِلَةَ النَّسَبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُتُوَّةِ الْكَبِيرِ فِي الْبَرِّ الثَّانِي 000
ـ يَا حَضْرَةَ الْعُمْدَةِ 
ـ تَفَضَّلْ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ 
ـ زَادَ اللهُ فِي فَضْلِكَ 000 مَعِي ضُيُوفٌ 000 إِخْوَانُكَ سَعْدٌ وَسَعِيدٌ وَمُسْعَدٌ 000
ـ هُمْ أَهْلُ الْبَيْتِ 000 تَفَضَّلُوا 000
ـ يَا سَاتِرُ 
ـ أَهْلاً وَسَهْلاً بِالشَّيْخِ الْبَرَكَةِ 000 يَا مَرْحَبًا بِالإِخْوَانِ 000
ـ الشَّايُ يَا أَبِي 
ـ شُكْرًا يَا فَاطِمَةُ 
ـ مَا شَاءَ اللهُ كَبُرَتْ فَاطِمَةُ 
ـ بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا
000000
000000
000000
يَسُودُ الْوُجُومُ الْبَهْوَ الْوَاسِعَ ، تَقْطَعُهُ مِنْ وَقْتٍ لآخَرَ كَلِمَاتُ التَّرْحِيبِ وَالْمُجَامَلَةِ فِي تَكْرَارٍ يَدْفَعُ إِلَى السَّأَمِ 000
صَامِتِينَ يَنْظُرُونَ نَحْوَ الْجُدْرَانِ الْمُرْتَفِعَةِ ، يُدَقِّقُونَ فِي صُورَةِ وَالِدِهِ الْمُعَلَّقَةِ فِي أَقْصَى الْيَسَارِ 000
ـ يَرْحَمُهُ اللهُ 000 كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّأْثِيرِ فِي أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِصَوْتِهِ الْحَادِّ الْمُجَلْجِلِ ، وَهَيْبَتِهِ الَّتِي لا تَلِينُ 000
ـ يَرْحَمُهُ اللهُ
ـ أَتَذْكُرُونَ كَيْفَ كَانَ يَرْتَعِشُ مُوسَى حِينَ يَرَاهُ ، مُرْتَعِدَةً فَرَائِصُهُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ 000
ـ يَرْحَمُهُ اللهُ
ـ كَانَ آخِرَ الأَنْبِيَاءِ 000 رَجُلاً لا يَجُودُ الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ 000 أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ ؟
ـ بَلَى بَلَى 000 يَرْحَمُهُ اللهُ 000
ـ وَمَا رَأْيُ حَضْرَةِ الْعُمْدَةِ فِي مَا كَانَ يَصْنَعُهُ الْوَالِدُ غَفَرَ اللهُ لَهُ ؟
ـ وَمَاذَا أَقُولُ ؟ هُوَ وَالِدِي ، وَقَدْ وَرِثْتُ عَنْهُ هَذِهِ الْقَرْيَةَ بِفَدَادِينِهَا الْمُتَرَامِيَةِ ، وَقَدْ جَمَعَهَا بِكَدْحِهِ وَعَرَقِهِ ، وَأُحَاوِلُ الْحِفَاظَ عَلَيْهَا بِكُلِّ السُّبُلِ 000
ـ لَكِنَّهُ بَشَرٌ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ يَرْحَمُهُ اللهُ
ـ تَقْصِدُ حِينَمَا تَرَبَّصَ بِهِ مُوسَى فِي الْمَرَّةِ الأَخِيرَةِ ، وَأَحْرَقَ لَهُ أَجْرَانَ الْفُولِ ؟
ـ الأَخْطَاءُ كَثِيرَةٌ ، وَلا نُرِيدُ أَنْ تَغِيبَ عَنَّا حَتَّى لا نَسْقُطَ فِي الْفِخَاخِ الَّتِي سَقَطَ فِيهَا ، وَلِهَذَا جَمَعْتُكُمُ الْيَوْمَ 000
ـ خَيْرٌ إِن شَاءَ اللهُ يَا حَضْرَةَ الْعُمْدَةِ 
000000
000000
000000 
مَفْزُوعًا حَوْلَ الأَبْرَاجِ الْعَالِيَةِ ، لا يَحُطُّ حَمَامُ الْبَيْتِ فَوْقَ أَعْشَاشِهِ ، عَائِدًا مِنْ حُقُولِ الزَّيْتُونِ الْبَعِيدَةِ 000
يَخْشَى تِلْكَ الْحِدَأَةَ الْكَاسِرَةَ الْمُتَرَبِّصَةَ فِي أَعْلَى النَّخْلَةِ ، نَافِضَةً جَنَاحَيْهَا فِي قُوَّةٍ ، تَسْتَعِدُّ لِلَحْظَةِ أَنْ تَنْقَضَّ فَوْقَ السِّرْبِ الْمَذْعُورِ 000
دَاخِلَ حَظِيرَةِ الدَّجَاجِ ، أَسْفَلَ سَلالِمِ الْبَيْتِ الرِّيفِيِّ الْعَرِيقِ ، تَبِيتُ الْحَمَائِمُ ، خَائِفَةً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الطَّوِيلَةِ 000
يُنْصِتُونَ لِهَدِيلِهَا الْحَزِينِ خَلْفَ الأَبْوَابِ فِي تَرَقُّبِ أَنْ تَهْبِطَ الْحِدَأَةُ خَاطِفَةً كَتْكُوتًا صَغِيرًا يَشْرِدُ خَارِجَ الْحَظِيرَةِ الْمُحْكَمَةِ 000
000000
000000
000000
ـ اسْمَعُوا يَا سَادَةُ ، لَقَدْ قَرَّرْتُ ـ بَعْدَ التَّشَاوُرِ مَعَ رِجَالِ الْقَرْيَةِ الْمُخْلِصِينَ ـ أَنْ أُنْهِيَ عَدَاءَنَا مَعَ مُوسَى حَقْنًا لِلدِّمَاءِ ، وَيَكْفِي مَا سَقَطَ مِنْ شَبَابِنَا فِي الْمَرَّاتِ السَّابِقَةِ 000
وَقَرَّرْتُ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ ، فَسَوْفَ أَزُورُهُ فِي دَوَّارِهِ الأُسْبُوعَ الْقَادِمَ 000
ـ كَيْفَ هَذَا يَا حَضْرَةَ الْعُمْدَةِ ؟
ـ أَنَسِيتَ مَا فَعَلَهُ بِنَا ؟
ـ وَقُرَانَا الَّتِي سَلَبَهَا ؟
ـ وَحُقُولَنَا الَّتِي يَتَسَلَّلُ إِلَيْهَا سَارِقًا ثِمَارَهَا فِي كُلِّ مَوْسِمٍ ؟
ـ اسْمَعُوا يَا سَادَةُ ، سَبَقَ السَّيْفُ الْعَذْلَ ، لَقَدْ أَبْلَغْتُ الْفُتُوَّةَ الْكَبِيرَ 000
ـ تَكَلَّمْ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ !!
ـ يَقُولُ تَعَالَى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } 0
ـ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا شَيْخُ !!
وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ : { فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } 0
وَالْيَوْمَ الْيَدُ الْعُلْيَا لَنَا عَلَيْهِمْ ، فَكَيْفَ نَضْعُفُ وَنَخْضَعُ وَنَزُورُهُ فِي بَيْتِهِ ؟
ـ لَكِنَّ الْفُتُوَّةَ الْكِبِيرَ وَرَاءَهُمْ يَا رَجُلُ ، أَنَسِيتَ ذَلِكَ ؟
ـ يَا حَضْرَةَ الْعُمْدَةِ ، اللهُ تَعَالَى يَقُولُ : { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } ، وَيَقُولُ : { وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } 0
ـ وَهُوَ الْقَائِلُ يَا رَجُلُ : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ، وَالْقَائِلُ سُبْحَانَهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } ، وَالْقَائِلُ عَزَّ وَجَلَّ : { إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } 0
ـ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ ، لَكِنَّ الْحَقَّ ـ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ ـ يَقُولُ : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } 0 أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ ؟ 
ـ اسْكُتْ يَا وَلَدُ يَا جَاهِلُ 000 لا تَتَكَلَّمْ فِي أُمُورِ الدِّينِ ، نَحْنُ أَدْرَى بِهَا مِنْ أَمْثَالِكَ 000
فَاللهُ هُوَ السَّلامُ ، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ، وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى 000
وَنَحْنُ مَعَ حَضْرَةِ الْعُمْدَةِ فِيمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ رَأْيٍ ، مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } 0
ـ لَكِنَّكَ تُطَوِّعُ الْقُرْآنَ ، وَفْقًا لِهَوَى الْعُمْدَةِ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ 000
يا حَضْرَةَ الْعُمْدَةِ لا تُصَالِحْ ، وَلَوْ مَنَحُوكَ الذَّهَبَ 000
ذِكْرَيَاتُ الطُّفُولَةِ بَيْنَ أَخِيكَ وَبَيْنَكَ 000
ـ يَا وَلَدُ يَا قَلِيلَ الأَدَبِ يَا فَاجِرُ ، لَقَدْ تَجَاوَزْتَ أَسْيَادَكَ ، وَنَسِيتَ قَوْلَهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } 0
ـ أَكْمِلِ الآيَةَ يَا شَيْخُ { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } 0 
ـ يَكْفِي هَذَا ، يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَنْصَرِفُوا !! دَعْهُمْ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ !!
يَخْرُجُونَ مِنَ الدَّوَّارِ الْكَبِيرِ ، مُطَأْطِئِي الرُّؤُوسِ ، فِي انْكِسَارٍ تَجُرُّهُمُ الْهُمُومُ ، وَتَسْحَقُ أَرْوَاحَهُمْ أَوْجَاعُ الْمَخَاضِ الأَخِيرِ 000
000000
000000
000000
عَلَى مَوْعِدٍ يَلْتَقِيَانِ فِي دَوَّارِ مُوسَى ، يُبَارِكُهُمَا الْفُتُوَّةُ الْكِبِيرُ 000
يَبْتَسِمَانِ 000
يَتَعَانَقَانِ 000
ـ أَرَأَيْتَ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ مَا صَنَعَ صَاحِبُكَ حَضْرَةُ الْعُمْدَةِ ؟
ـ لَقَدْ بَاعَنَا لِمُوسَى ، وَاسْتَسْلَمَ لأَطْمَاعِهِ الَّتِي لا تَنْتَهِي مُقَابِلَ الْفُتَاتِ الزَّائِلِ 00
ـ يَا بَلَدُ 000 اتَّقُوا اللهَ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ 00 
ـ الشُّجَاعُ يَا شَيْخُ مِفْتَاحُ ؟ 
ـ لَقَدْ قَبَّلَ الْفُتُوَّةُ زَوْجَتَهُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ 000
ـ قُبْلَةٌ بَرِيئَةٌ يَا أَخِي 000 تَحَضَّرُوا يَا بَقَرُ !! أَلا تَفْهَمُونَ ؟
000000
000000
000000
فِي الْمَسَاءِ يَأْمُرُ الْفُتُوَّةُ صِبْيَانَهُ أَنْ يَمُدُّوا مُوسَى بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، لِيَنْهَبَ قَرْيَةَ الْمَلاهِي ، وَالْقُرَى الْمُجَاوِرَةَ ، وَاحِدَةً بَعْدَ الأُخْرَى 000
ـ يَا حَضْرَةَ الْعُمْدَةِ ، هَاجَمَ مُوسَى الْمَلاهِي ، وَاسْتَوْلَى عَلَى مَحْصُولِ الْقَمْحِ ، وَيَسْتَعِدُ لِنَهْبِ الْقُرَى الْمُتَاخِمَةِ 000
ـ وَمَاذَا أَصْنَعُ ؟
ـ هُمْ أَبْنَاءُ عَمِّنَا وَإِخْوَانُنَا ، يَا حَضْرَةَ
الْعُمْدَةِ 000 

ـ هُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِفُجُورِهِمْ مَا يَصْنَعُهُ مُوسَى فَيهِمْ 000
ـ كَيْفَ تَقُولُ هَذَا يَا حَضْرَةَ الْعُمْدَةِ ؟
ـ اذْهَبُوا وَتَحَصَّنُوا فِي بُيُوتِكُمْ !!
عَلَى خِزْيِهِمْ يَتَّكِئُونَ ، عَائِدِينَ إِلَى النِّسَاءِ الدَّافِئَاتِ ، كَشُمُوعٍ ذَائِبَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ بَارِدَةٍ 000000
000000
000000
فِي الصَّبَاحِ ، فِي وَسَطَ الْحُقُولِ ، بَيْنَ الْفَلاحِينَ الْبُسَطَاءِ ، تَجِيءُ طَلَقَاتُ مُسَدَّسٍ مِنْ وَرَاءِ أَشْجَارِ السَّنْطِ الْبَعِيدَةِ 000
يَسْقُطُ مُحَمَّدٌ مُسَرْبَلاً فِي الدِّمَاءِ 000
تَلُفُّهُ صَرَخَاتُ النِّسَاءِ الْبَاكِيَاتِ 000
يُهَرْوِلُ الأَطْفَالُ مَفْزُوعِينَ 000
تَهْدِلُ الْحَمَائِمُ فَوْقَ الأَبْرَاجِ 000
تَرْتَجِفُ الْخُيُولُ خَائِفَةً فَوْقَ الْمُرُوجِ 000
تَهْبِطُ الْحِدَأَةُ خَاطِفَةً الأَرْنَبَ العَّبِيطَ 000
تَتَهَاوَى أَشْجَارُ النَّخِيلِ 000
تَطِيرُ الْيَمَامَاتُ هَارِبَةً وَرَاءَ السَّرَابِ 000
يَدْخُلُ مُوسَى دَوَّارَ مُحَمَّدٍ 000
يُضَاجِعُ النِّسَاءَ 000
تَتَأَبَّى فَاطِمَةُ شَامِخَةً لا تَلِينُ 000
تَبْكِي صَارِخَةً 
يُحِيطُهَا الْفَلاحُونَ الْمُخْلِصُونَ بِالْفُؤُوسِ وَالْمَنَاجِلِ 000
عَلَى جِرَاحِهِمْ يَتَرَاجَعُونَ 000
يَتَقَدَّمُونَ 000
يَنْزِفُونَ فِي صَلابَةٍ 000
يَدْهَشُونَ فِي ذُهُولٍ 
مِمَّا أَصَابَ الْقُرَى حِينَ خَضَعَ مُحَمَّدٌ وَزَارَ مُوسَى فِي بَيْتِهِ 0

(الأَفْيَالُ تَسْحَقُ أَسْرَابَ النَّمْلِ طَوَاعِيَةً)))))

الأَفْيَالُ تَسْحَقُ أَسْرَابَ النَّمْلِ طَوَاعِيَةً



خَلْفَ الْقُضْبَانِ الْحَدِيدِيَّةِ الْمُثَبَّتَةِ فَوْقَ الْكُتَلِ الصَّخْرِيَّةِ الْكَبِيرَةِ ، يُتَابِعُ عَزِيزٌ هَذَا الْفِيلَ الضَّخْمَ بِخُرْطُومِهِ الْخُطَّافِيِّ الطَّوِيلِ ، وَهُوَ يَقُودُ ـ مِنْ وَرَائِهِ سِرْبَ الأَفْيَالِ خَاضِعِينَ نَحْوَ أَشْجَارِ الصَّفْصَافِ الَّتِي دَنَتْ أَغْصَانُهَا ، فَتَدَلَّتْ ، فَكَانَتْ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ، بَاحِثَةً عَمَّا تَسَاقَطَ مِنْ أَوْرَاقٍ لَذِيذَةٍ ، مُلْتَهِمَةً حَشَائِشَ الْحَدِيقَةِ الْخَضْرَاءَ 000
تُدْهِشُهُ أَسْرَابُ النَّمْلِ الْمُتَدَافِعَةُ بَيْنَ أَقْدَامِهَا ، مُتَنَقِّلَةً فِي حَرَكَةٍ مُنْتَظِمَةٍ فَوْقَ الْحَشَائِشِ تَحْتَ الأَشْجَارِ الْكَثِيفَةِ 000
فِي حَمَاسٍ تَنْشَطُ فِي حِصَارِ الْعَنَاكِبِ الَّتِي تَكْبُرُهَا عَشَرَاتِ الْمَرَّاتِ 000
فِي غَيْرِ يَأْسٍ تُحَاوِلُ أَنْ تُسْقِطَهَا بَيْنَ أَرْجُلِهَا الرَّقِيقَةِ 000
مُقَاوِمَةً تَنْهَضُ فِي مُحَاوَلَةٍ لِلْفِرَارِ ، مُسْتَسْلِمَةً لِبَقِيَّةِ السِّرْبِ ، تُخْرِجُ أَنْفَاسَهَا الأَخِيرَةَ 000
عَلَى ظُهُورِهَا الضَّعِيفَةِ تَحْمِلُهَا خَارِجَ الْمَمَرِّ ، لِتَبْدَأَ الْحَفْلَ الْكَبِيرَ عَلَى شَرَفِ هَذَا الضَّيْفِ الْكَرِيمِ 000
يَتَسَاءَلُ عَزِيزٌ فِي حَيْرَةٍ مَأْخُوذًا مِنْ هَذَا الْمَشْهَدِ الْمُتَكَرِّرِ كُلَّمَا نَظَرَ مِنْ وَرَاءِ الأَسْوَارِ ، تَرْتَدُّ إِلَيْهِ الأَسْئِلَةُ بَاحِثَةً عَنْ إِجَابَاتٍ لا تَأْتِي 000
ـ لِمَاذَا تَتْرُكُ الأَفْيَالُ الضِّخَامُ أَسْرَابَ النَّمْلِ الضَّعِيفَةَ زَاحِفَةً فَوْقَ الْحَشَائِشِ ، لِتَصْعَدَ فَوْقَ ظُهُورِهَا الْعَرِيضَةِ ، ثُمَّ تَسْحَقُهَا طَوَاعِيَةً عِنْدَمَا تَهْبِطُ ؟ 000
0000000
0000000
0000000 
مِنْ خَلْفِ نَافِذَةِ الدَّوَّارِ الْفَسِيحِ كَفَضَاءَاتٍ لا تَنْتَهِي ، يَجْلِسُ عَزِيزٌ الْقُرْفُصَاءَ حِينَ يَجِيءُ اللَّيْلُ ، مُنْصِتًا فِي اشْمِئْزَازٍ إِلَى شَيْخِ الْخَفَرِ وَهُوَ يَسْرِدُ مَا رَأَى طَوَالَ النَّهَارِ ، عَارِضًا خُطَّتَهُ الْمُحْكَمَةَ فِي تَفْرِيقِ رِجَالِ الْقَرْيَةِ ، وَوَضْعِ الْفِخَاخِ الْمُمْتَلِئَةِ تَحْتَ الأَقْدَامِ ، لِتَظَلَّ السَّيْطَرَةُ عَلَى هَؤُلاءِ الرَّعَاعِ مِمَّنْ أَفْسَدَتْهُمُ الثَّقَافَةُ وَالأَمْوَالُ ، بَاحِثِينَ عَنْ أَدْوَارٍ لا يَمْنَحُهَا إِلا الْعُمْدَةُ الْكَبِيرُ 000
يَجْلِسُ وَرَاءَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْفَتَّاحِ إِمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ ، يُدْلِي بِرَأْيِهِ كُلَّمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةٍ تَشْغَلُ بَالَ الْعُمْدَةِ ، قَافِزًا مِنْ وَقْتٍ لآخَرَ ، وَاقِفًا بَيْنَ يَدَيْهِ ، يَحُكُّ رَأْسَهُ الصَّغِيرَ بِيَدَيْهِ الْغَلِيظَتَيْنِ ، مَائِلاً لِلْوَرَاءِ ، رَافِعًا عَيْنَيْهِ لِلسَّقْفِ كَأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْوَحْيَ الَّذِي يَخُصُّهُ وَحْدَهُ بِمَا سَيَقُولُ ، لِيَعُودَ ثَانِيَةً وَرَاءَ كُرْسِيِّ الْعُمْدَةِ مُنْتَظِرًا دَوْرَهُ مِنْ جَدِيدٍ 000 
ـ اطْمَئِنَّ يَا حَضْرَةَ الْعُمْدَةِ !! الأَمْنُ مُسْتَتِبٌّ 0
ـ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ 000 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 000
ـ أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ لِمَاذَا يَعُودُ هَذَا الرَّجُلُ الْمَخْبُولُ ، وَيُحَرِّضُ النَّاسَ ضِدِّي ؟
ـ سَوْفَ نَعْرِفُ حَضْرَتَكَ أَهْدَافَ التَّنْظِيمِ قَرِيبًا جِدًّا 000
ـ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا 000
ـ إِنَّ دَعْوَتَهُ لِلتَّمَرُّدِ وَالْعِصْيَانِ تَتَزَايَدُ ، وَلا بُدَّ مِنْ حَلٍّ 000
ـ تَمَامٌ حَضْرَتَكَ 
ـ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ 000
ـ وَالنَّاسُ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ ، وَيُقْبِلُونَ عَلَى مَا يَقُولُ مِنْ هُرَاءٍ 000
ـ سَوْفَ نَأْتِي بِهِمْ جَمِيعًا 
ـ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ 000
ـ أُرِيدُ بَيَانَاتٍ وَاضِحَةً عَنْهُمْ يَا شَيْخَ الْخَفَرِ !!
ـ يَجْرِي إِعْدَادُ التَّقَارِيرِ حَضْرَتَكَ 000
ـ هَؤُلاءِ يَا سَيِّدِي مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 000
ـ إِذًا هُمْ يَفْرَحُونَ بِإِغَاظَتِي ؟
ـ لَيْسَ فِي إِمْكَانِهِمْ ذَلِكَ حَضْرَتَكَ 000
ـ لا تَغْضَبْ حَضْرَتَكَ ، إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ 000 فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 000
ـ وَمَا خُطَّتُكَ يَا شَيْخَ الْخَفَرِ ؟
ـ نُعِدُّ مَعَ الشَّيْخِ كِتَابًا نَدْعُو فِيهِ النَّاسَ لِيَنْصَرِفُوا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الْمَخْبُولِ ، وَنُفَرِّقُهُمْ عَنْهُ ، ثُمَّ نَأْتِي بِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا ، وَنُقَيِّدُهُمْ دَاخِلَ الْغُرَفِ الْمُظْلِمَةِ خَلْفَ الدَّوَّارِ ، وَنُذِيقُهُمْ مِنْ أَلْوَانِ الْعَذَابِ مَا لَمْ يَرَوْهُ مِنْ قَبْلُ 000
ـ وَأَنَا سَأَكْتُبُ نُصُوصَهُ بِقَلَمِي الْمُتَوَاضِعِ يَا سَيِّدِي 000 وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ 000
ـ وَهَلْ يُصِدِّقُونَ مَا نَكْتُبُ يَا شَيْخُ عَبْدُ الْفَتَّاحِ ؟
ـ مِنْهُمْ مَنْ يُصِدِّقُ ، وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ 000
فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ 000
ـ نَعَمْ ، وَيْلٌ لِهَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ 000
ـ صَدَقْتَ يَا سَيِّدِي ، فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ 00
ـ أَحْسَنْتَ يَا شَيْخُ !!
ـ اطْمَئِنَّ حَضْرَتَكَ ، نَحْنُ مِنْ وَرَاءِ الشَّيْخِ سَنَقْبِضُ عَلَى مَنْ يَفْتَحُ فَمَهُ فِي الْحَالِ 000
ـ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ 000
ـ اطْمَئِنَّ نَحْنُ سَنَعْرِفُهُمْ جَمِيعًا 000
ـ صَابِرٌ وَصَبْرِي وَعَبْدُ الصَّبُورِ أُولَئِكَ الأَحْزَابُ 000
ـ هَؤُلاءِ فَقَطُ ؟
ـ كَلا يَا سَيِّدِي ، كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ 000
وَسَيَأْتِي يَوْمُ الأَحْزَابِ 000 
يَا سَيِّدِي حَرِّكْ لَهَا حُوَارَهَا تَحِنُّ ، وَسَتَقْضِي حَضْرَتَكَ عَلَى الْفَتْنَةِ الَّتِي أَيْقَظُوهَا ، وَقَدْ كَانَتْ نَائِمَةً ، وَتُقِيمُ الأَفْرَاحَ فَوْقَ جُثَثِ هَؤُلاءِ الْمَارِقِينَ الْخَارِجِينَ عَلَى الْمِلَّةِ 000
ـ خُطَّةٌ جَيِّدَةٌ ، أَرْجُو أَنْ تَنْجَحُوا فِي تَنْفِيذِهَا :
تُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ شِيَعًا وَأَحْزَابًا ، فَيَضْعُفُونَ ، وَيَظَلُّ السُّلْطَانُ فِي قَبْضَتِي وَحْدِي 000
خُطَّةٌ مَاكِرَةٌ يَا شَيْخُ عَبْدُ الْفَتَّاحِ 000
0000000
0000000
0000000
يُقَهْقِهُ فِي سُخْرِيَةٍ آمِرًا أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَبْدَأْنَ أَعْمَالَهُنَّ فِي نَصْبِ الْفِخَاخِ الْمَلْغُومَةِ بَيْنَ سِيقَانِهِنَّ 000
ـ أَيْنَ الْقَوَّادُونَ ؟ أَيْنَ الْحَسْنَاوَاتُ الْفَاتِنَاتُ ؟
أَخْرِجُوا الْكِلابَ الْجَائِعَةَ فِي الشَّوَارِعِ تَنْهَشُ لَحْمَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى سُلْطَانِي 000
افْتَحُوا خَزَائِنَ أَمْوَالِي الَّتِي لا تَنْفَدُ ، وَامْنَحُوا ذَهَبِي لِرِجَالِي الْمُخْلِصِينَ ، وَلِمَنْ يَعُودُ إِلَى حَظِيرَتِي الْوَثِيرَةِ 000 
أَدْخِلُوا الْكَفَرَةَ الْفَجَرَةَ الرَّافِضَةَ الزَّنَازِينَ الْخَلْفِيَّةَ الْمُظْلِمَةَ 000
أُرِيدُ أَنْ أَرَى نِسَاءَهُمْ وَبَنَاتِهِمْ عَارِيَاتٍ كَمَا وُلِدْنَ ، يَصْرُخْنَ مِنْ أَوْجَاعِ السُّقُوطِ تَحْتَ أَشْجَارِ الْمَوْزِ الدَّافِئَةِ ، وَقَدِ ارْتَفَعَتْ أَغْصَانُ التِّينِ حَامِلَةً ثِمَارَهَا الشَّهِيَّةَ 000
لِتَنْصِبُوا الْمَشَانِقَ ، وَتَقْطَعُوا الأَعْنَاقَ ، وَتُقِيمُوا الْمَوَائِدَ فَوْقَ صَرَخَاتِ هَؤُلاءِ الْفَاسِقِينَ 000
يَا شَيْخَ الْخَفَرِ َأَوْقِدْ لِي عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى آلامِ هَؤُلاءِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِي ، الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ 000 أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا شَيْخُ عَبْدُ الْفَتَّاحِ 000
ـ بَلَى يَا سَيِّدِي بَلَى ، فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ 000
000000
000000
000000
عَلَى غَيْرِ هُدَىً يَجْرِي عَزِيزٌ نَحْوَ الْحُقُولِ الْبَعِيدَةِ مُخْتَبِئًا بَيْنَ أَعْوَادِ الذُّرَةِ 000
مُتَّكِئًا عَلَى أَحْلامِهِ الصَّغِيرَةِ ، يَفِرُّ حَامِلاً جَسَدَهُ الثَّقِيلَ بَيْنَ ضُلُوعِهِ الْمُرْتَعِشَةِ 000
تَََتَعَرَّى الْفَلاحَاتُ الطَّيِّبَاتُ كَأَشْجَارِ النَّبْقِ تَحْتَ الأَمْطَارِ 000
يَتَكَشَّفْنَ فِي ذُهُولٍ 000
يُحْمَلْنَ إِلَى الأَسِرَّةِ النُّحَاسِيَّةِ فِي جَبَرُوتٍ 000
يُقَيَّدْنَ بِالْحِبَالِ 000
يَتَوَجَّعْنَ مُنْكَسِرَاتٍ 000
عَلَى أَوْجَاعِهِنَّ يَتَّكِئُ الرَّجُلُ السَّمِينُ 000
يَنْزِفْنَ صَارِخَاتٍ 000
أَمَامَ رِجَالِهِنَّ الْمُقَيَّدِينَ فِي مَخَاوِفِهِمُ الْقَدِيمَةِ يَحْمِلْنَ بَقَايَا الأَرْوَاحِ الْمَهْزُومَةِ 000 
عَلَى أَوْجَاعِهِمْ يَتَّكِئُ الرَّجُلُ السَّمِينُ 000
يَنْزِفُونَ صَامِتِينَ 000
أَمَامَ نِسَائِهِمْ يَحْمِلُونَ الْجِرَاحَ الَّتِي لا تَهْدَأُ 000
يُقَهْقِهُ شَيْخُ الْخَفَرِ كَفِيلٍ يَرْفَعُ خُرْطُومَهُ فِي انْتِشَاءٍ 000
يُؤَذِّنُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْفَتَّاحِ لِصَلاةِ الْعِشَاءِ 000
يُهَرْوِلُ عَزِيزٌ حَافِيًا خَارِجَ الْحُقُولِ مُتَّجِهًا نَحْوَ الدَّوَّارِ 000 
تَتَزَاحَمُ ـ خَلْفَهُ ـ الصَّبَايَا بَاكِيَاتٍ 000
يُسْرِعُ الأَطْفَالُ مُمْسِكِينَ بِالأَحْجَارِ الْمَسْنُونَةِ 00
يَنْهَضُ الرِّجَالُ مَفْزُوعِينَ 000
يَنْفِرُونَ فِي جُنُونٍ 000
يَفْتَحُونَ الزَّنَازِينَ لِبَقَايَا الأَرْوَاحِ الْجَرِيحَةِ 000
تَصْهِلُ الْجِيَادُ شَاكِيَةً بِعَبْرَةٍ وَتَحَمْحُمٍ 000
يَلْتَحِمُونَ كَأَعْوَادِ الْقَمْحِ 000
يَتَقَدَّمُ عَزِيزٌ مُشْعِلاً عُودَ قُطْنٍ 000
يَجْرِي مَذْعُورًا نَحْوَ الأَبْوَابِ قَبْلَ أَنْ تَسْحَقَ الأَفْيَالُ الْغَاضِبَةُ أَسْرَابَ النَّمْلِ طَوَاعِيَةً 0


( يا تونس الخضراء جئتك عاشقا )))))



يا تونس الخضراء جئتك عاشقاً .............. وعلى جبيني وردة وكـتــــــــاب

إني الدمشقي الذي احترف الهوى............... فأخضوضرت لغنائه الأعشاب
أحرقت من خلفي جميع مراكبي. ..............إن الهوى لا يكون إيـــــــــاب
أنا فوق أجفان النساء مكســــــــر............... قطعاً فعمري الموج والأخشـاب
لم أنس أسماء النساء وإنمـــــــ............. للحسن أسباب ولي أسبــــــــــــاب
يا ساكنات البحر في قرطاجــة ...............جف الشذى وتفرق الأصحـــــاب
أين اللواتي حبهن عبــــــــــــــادة .......... وغيابهن وقربهن عــــــــــــــــذاب
اللابسات قصائدي ومدامعـــــي .............عاتبتهن وما أفاد عتــــــــــــــــــاب
أحببتهن وهن ما أحببننـــــــــــــي ......... وصدقتهن ووعدهن كــــــــــــــذاب
إني لأشعر بالدوار فناهــــــــــــد........... لي يطمئن وناهد يرتــــــــــــــــاب
هل دولة العشق التي أسستهــــا ........... سقطت علي وسدت الأبــــــــــواب
تبكي الكؤوس فبعد ثغـر حبيبتي ............ حلفت بأن لا تسكر الأعنــــــــاب
أيصدني نهد تعبت برسمــــــــه ............وتخونني الأقراط والأثـــــــــــواب
ماذا جرى لممالكي وبيارقـــــــي .......... أدعو رباب فلا تجيب ربـــــــــاب
أأحاسب امرأة على نسيانهــــــا ............ ومتى استقام مع النساء حســـــاب
ما تبت عن عشقي ولا أستغفرته .............ما أسخف العشاق لو هم تابـــــوا


*********************************
قمر دمشقي يسافر في دمـــــي ............. وبلابل وسنابل وقبــــــــــــــــــاب
الفل يبدأ من دمشق بياضــــــه ................ وبعطرها تتطيب الأطيــــــــاب
والماء يبدأ من دمشق ..فحيثمـا.............. أسندت رأسك جدول ينســــــــاب
والشعر عصفور يمد جناحــــه ............فوق الشآم وشاعر جــــــــــــــــواب
والحب يبدأ من دمشق فأهلنـــــا............ عبدوا الجمال وذوبوه وذابــــــــــوا
والخيل تبدأ من دمشق مسارهـا........... وتشد للفتح الكبير ركـــــــــــــــــاب
والدهر يبدأ من دمشق وعندهــا........... تبقى اللغات وتحفظ الأنســـــــــــاب
ودمشق تعطي للعروبة شكلهـا ..............وبأرضها تتشكل الأحقـــــــــــــاب
بدأ الزفاف فمن تكون مضيفتي........... هذا المساء ومن هو العـــــــــــــراب
أأنا مغني القصر يا قرطاجـــة ........... كيف الحضور وما علي ثيــــــــــاب
ماذا أقول فمي يفتش عن فمــــي......... والمفردات حجارة وتـــــــــــــــــراب
فمآدب عربية وقصائـــــــــــــد........... همزية ووسائد وحبــــــــــــــــــــــاب
لا الكأس تنسينا مساحة حزننا............ يوماً ولا كل الشراب شــــــــــــــراب
من أين يأتي اللشعر يا قرطاجة .......... والدين مات وعادت الأنصــــــــــاب
من أين يأتي الشعر؟حين نهارنا.......... قمع وحين مساؤنا ارهــــــــــــــــــاب
سرقوا أصابعنا وعطر حروفنــا.......... فبأي شيء يكتب الكتـــــــــــــــــــــاب
والحكم شرطي يسير ورائنــــا ......... سراً فنكهة خبزنا أستجــــــــــــــــــواب
والشعر رغم سياطهم وسجونهم.......... ملك وهم في بابه حجــــــــــــــــــــاب
من أين أدخل بالقصيدة يا ترى؟......... وحدائق الشعر الجميل خــــــــــــــراب
لم يبق في دار البلابل بلبـــــــل............. لا البحتري هنا... ولا زريـــــــــاب
شعراء هذا اليوم جنس ثالــــــــث...........فالقول فوضى والكلام ضبـــــــــــاب
يتكلمون من الفراغ... فما هــــــم..........عجم اذا نطقوا ولا أعـــــــــــــــــراب
اللاهثون على هوامش عمرنــــا................ سيان أن حضروا وأن هم غابوا
يتهكمون على النبيذ معتقــــــــاً........... وهم على سطح النبيذ ذبــــــــــــــــاب
الخمر تبقى أن تقادم عهدهــــا.............. خمراً وقد تتغير الأكــــــــــــــــواب
**********************************
من أين أدخل في القصيدة يا ترى؟......... والشعر فوق رؤوسنا ســــــــرداب
إن القصيدة ليس ما كتبت يـــدي .......... لكنها ما تكتب الأهـــــــــــــــــــداب
نار الكتابة أحرقت أعمارنــــــــا............ فحياتنا الكبريت والأحطــــــــــاب
ما الشعر؟ ما وجع الكتابة ؟ ما الرؤى؟... أولى ضحايانا هم الكتـــــــــــــــاب
يعطوننا الفرح الجميل .... وحظهـــم...... حظ البغايا .... ما لهن ثــــــــواب
يا تونس الخضراء هذا عالــــــــــــــم.... يثرى به الأمي والنصــــــــــــــــاب
فمن الخليج الى المحيط قبائـــــــــــل..... بطرت فلا فكــــــــــــــــر ولا آداب
في عصر زيت الكاز يطلب شاعر....... ثوباً وترفل بالحرير قحـــــــــــــاب
هل في العيون التونسية شاطــــــــئً ...... ترتاح فوق رماله الأعصــــــــــاب
أنا يا صديقة متعب بعروبتـــــــي.......... فهل العروبة لعنة وعقــــــــــــــــــاب
أمشي على ورق الخريطة خائفــــاً ...... فعلى الخريطة كلنــــــــــــــــا أغراب
أتكلم الفصحى أمام عشيرتــــــــــــي.... وأعيد ... لكن ما هناك جــــــــــــواب
لولا العباءات التي التفـــوا بهــــــــا .... ما كنت تحسب أنهم أعـــــــــــــــــراب
يتقاتلون على بقايا تمــــــــــــــــــرة... فخناجــــــر مرفوعــة وجحـــــــــــــراب
قبلاتهم عربيــــــــة ... من ذا رأى..... فيما رأى قبل لها أنيــــــــــــــــــــــــاب
************************************
يا تونس الخضراء كأسي علقـــم...... أعلى الهزيمة تشرب الأنخـــــــــــــــاب
وخريطة الوطن الكبير فضيحــة.... فحواجز ومخافر وكـــــــــــــــــــــــــــلاب
والعالم العربي أما نعجــــــــــــة .... مذبوحة أو حاكم قصــــــــــــــــــــــــــاب
والعالم العربي يرهن سيفـــــــــه....فحكاية الشرف الرفيع ســــــــــــــــــــراب
والعالم العربي يخزن النفــــــــط..... في خصيتيه وربـك الوهــــــــــــــــــــــاب
والناس قبل النفط أو من بعـــده ......مستنزفون فســــــــــــــــــــــــــادة ودواب
**************************************
يا تونس الخضراء كيف خلاصنا؟..... لم يبقى من كتب السمــاء كتــــــــــــاب
ماتت خيول بني أمية كلهــــــا....... خجلاً وظل الصرف والأعـــــــــــــــراب
فكأنما كتب التراث خرافــــــــة....... كبرى فلا عمر ولا خطـــــــــــــــــــــاب
وبيارق أبن العاص تمسح دمعها....... وعزيز مصر بالفصام مصـــــــــــــــاب
من ذا يصدق أن مصر تهودت........ فمقام سيدنا الحسيـن يبـــــــــــــــــــــــاب
ما هذه مصر ... فأن صلاتهــا ...... عبرية وإمامها كـــــــــــــــــــــــــــــــذاب
ما هذه مصر؟ فإن سماؤهـــــا.......... صغرت وأن نساءها أســــــــــــــــــلاب
أن جاء كافور فكم من حاكـــم......... قهر الشعوب وتاجه قبقــــــــــــــــــــاب
**************************************
بحرية العينين يا قرطاجــــــة........... شاخ الزمان وأنت بعد شبـــــــــــــباب
هل لي بعرض البحر نصف جزيرة...... هل للدفاتر يا ترى أعصــــــــــــــــاب
حزني بنفسجة يبللها النــــــــــــدى....... وضفاف جرحي روضة معشــــــــاب
لا تعذليني أن كشفت مواجعي.......... وجه الحقيقة ما عليه نقـــــــــــــــــــــاب
إن الجنون وراء نصف قصائـدي...... أوليس في بعض الجنون صــــــــــــواب
فتحملي غضبي الجميل فربمـــا........ ثارت على أمر السماء هضـــــــــــــاب
فأذا صرخت بوجه من أحببتهــــم..... فلكي يعيش الحب والأحبـــــــــــــــــــاب
وأذا قسوت على العروبة مــرة..... فلقد تضيق بكحلها الأهــــــــــــــــــــــداب
فلربما تجد العروبة نفسهـــــــــا...... ويضيء في قلب الظلام شهــــــــــــــــاب
ولقد تطير من العقال حمامــــة ...... ومن العباءة تطلع الأعشـــــــــــــــــــــاب
************************************
قرطاجة....قرطاجة....قرطاجة...... هل لي لصدرك رجعة ومتـــــــــــــــــاب
لا تغضبي مني إذا غلب الهـوى إنــــــ الهوى في طبعه غـــــــلاّب
فذنوب شعري كلها مغفـــورة....... والله جل جلاله التـــــــــــــــــــــــــــواب